فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال: كانت أودية اليمن تسيل إلى وادي سبأ، وهو واد بين جبلين، فعمد أهل سبأ فسدوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة، وتركوا ما شاءوا لجناتهم، فعاشوا بذلك زمانًا من الدهر، ثم إنهم عتوا وعملوا بالمعاصي، فبعث الله على ذلك السد جرذًا فنقبه عليهم، فعرض الله مساكنهم وجناتهم، وبدلهم بمكان جنتيهم جنتين خمط والخمط الأراك {وأثل} الاثل القصير من الشجر الذي يصنعون منه الأقداح.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {سيل العرم} قال: الشديد.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه {سيل العرم} قال: المنساة بلحن اليمن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {سيل العرم} قال: {العرم} بالحبشة وهي المنساة التي يجتمع فيها الماء ثم ينشف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه قال: {العرم} اسم الوادي.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {سيل العرم} قال: وادٍ كان باليمن كان يسيل إلى مكة.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال: وادي سبأ يدعى {العرم}.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {سيل العرم} السد ماء أحمر أرسله الله في السد، فشقه وهدمه، وحفر الوادي عن الجنتين، فارتفعا وغار عنهما الماء، فيبستا ولم يكن الماء الأحمر من السد، كان شيئًا أرسله الله عليهم. وفي قوله: {أكل خمط} قال: الخمط الأراك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أرسله الله عليهم. وفي قوله: {أكل خمط} قال: الخمط الأراك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أكل خمط} قال: الأراك {وأثل} قال: الطرفاء.
وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {أكل خمط} قال: الأراك قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الشاعر يقول:
ما معول فود تراعى بعينها ** أغن غضيض الطرف من خلل الخمط

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه في قوله: {وأثل} قال الاثل شجر لا يأكلها شيء وإنما هي حطب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: {الخمط} الاراك والاثل النضار و {السدر} النبق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {لقد كان لسبإ في مساكنهم}. قال: قوم أعطاهم الله نعمة، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، قال الله {فأعرضوا} قال: ترك القوم أمر الله {فأرسلنا عليهم سيل العرم} ذكر لنا {العرم} وادي سبأ كانت تجتمع إليه مسايل من أودية شتى، فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة، وجعلوا عليه أبوابًا وكانوا يأخذون من مائة ما احتاجوا إليه، ويسدون عنهم ما لم يعبأوا به من مائه، فلما تركوا أمر الله بعث الله عليهم جرذًا، فنقبه من أسفله، فاتسع حتى غَرَّقَ الله به حروثَهم، وخَرَّبَ به أراضيهم عقوبة بأعمالهم قال الله {فبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط} والخمط الأراك و {أكل} بربرة و {أثل وشيء من سدر قليل} بينما شجر القوم من خير الشجر إذ صيره الله من شر الشجر عقوبة بأعمالهم قال الله {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور} إن الله إذا أراد بعبد كرامة أو خيرًا تقبل حسناته، وإذا أراد بعبد هوانًا أمسك عليه بذنبه.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال: الخمط هو الأراك.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وأبي مالك، مثله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وهل نجازي إلا الكفور} قال: تلك المناقشة.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن طاوس {وهل نجازي إلا الكفور} قال: هو المناقشة في الحساب، ومن نوقش الحساب عذب، وهو الكافر لا يغفر له.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي حيوة وكان من أصحاب علي قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضيق في المعيشة، والمنغص في اللذة قيل: وما المنغص؟ قال: لا يصادف لذة حلال إلا جاءه من ينغصه إياها.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {القرى التي باركنا فيها} قال: الشام.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها} قال: هي قرى الشام.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير، مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة} قال: كان فيما بين اليمن إلى الشام قرى متواصلة و {القرى التي باركنا فيها} الشام. كان الرجل يغدو فيقبل في القرية، ثم يروح فيبيت في القرية الأخرى، وكانت المرأة تخرج وزنبيلها على رأسها، فما تبلغ حتى يمتلىء من كل الثمار.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبي ملكية في قوله: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة} قال: كانت قراهم متصلة ينظر بعضهم إلى بعض، وثمرهم متدل فبطروا.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: {وقدرنا فيها السير} قال: دانينا فيها السير.
وأخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {وجعلنا بينهم} يعني بين مساكنهم {وبين القرى التي باركنا فيها} يعني الأرض المقدسة {قرى} فيما بين منازلهم والأرض المقدسة {ظاهرة} يعني عامرة مخصبة {وقدرنا فيها السير} يعني فيما بين مساكنهم وبين أرض الشام {سيروا فيها} يعني إذا ظعنوا من منازلهم إلى أرض الشام من الأرض المقدسة.
وأخرج ابن عساكر عن زيد بن أسلم في قوله: {ظاهرة} قال: قرى بالشام.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {سيروا فيها ليالي وأيامًا آمنين} قال: لا يخافون جوعًا ولا ظمأ، إنما يغدون فيقيلون في قرية، ويروحون فيبيتون في قرية، أهل جنة ونهر حتى ذكر لنا: أن المرأة كانت تضع مكتلها على رأسها، فيمتلىء قبل أن ترجع إلى أهلها، وكان الرجل يسافر لا يحمل معه زادًا، فبطروا النعمة {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} فمزقوا {كل ممزق} وجعلوا أحاديث.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} قال: قالوا يا ليت هذه القرى يبعد بعضها عن بعض، فنسير على نجائبنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر رضي الله عنه أنه قرأ {قالوا ربنا بعِّد بين أسفارنا} مثقلة قال: لم يدعوا على أنفسهم، ولكن شكوا ما أصابهم.
وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي رضي الله عنه أنه قرأ {قالوا ربنا بَعِّدْ بين أسفارنا} مثقلة على معنى فعِّل.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن أبي الحسن رضي الله عنه أنه قرأ {بَعُدَ بين أسفارنا} بنصب الباء، ورفع العين.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ {ربنا} بالنصب {باعد} بنصب الباء وكسر العين على الدعاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه في قوله: {ومزقناهم كل ممزق} قال: أما غسان فلحقوا بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الأزد فلحقوا بعمان. فمزقهم الله كل ممزق.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إن في ذلك لآيات لكل صبارٍ شكور} قال: مطرف في قوله: {إن في ذلك لآيات} نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر.
وأخرج عن الشعبي رضي الله عنه في قوله: {لكل صبار شكور} قال: {صبار} في الكريهة {شكور} عند الحسنة.
وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير والبيهقي في شعب الإِيمان عن عامر رضي الله عنه قال: الشكر نصف الإِيمان، والصبر نصف الايمان، واليقين الايمان كله.
وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله قال: يا عيسى ابن مريم إني باعث بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، ولا حلم ولا علم. قال: يا رب كيف يكون هذا لهم، ولا حلم ولا علم؟ قال: أعطيهم من حلمي وعلمي».
وأخرج أحمد ومسلم والبيهقي في شعب الإِيمان والدارمي وابن حبان عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن أمر المؤمن كله خير، إن أصابته سراء شكر كان خيرًا، وإن أصابته ضراء صبر كان خيرًا».
وأخرج أحمد والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبت للمؤمن أن أعطي قال الحمد لله فشكر، وإن ابتلي قال الحمد لله فصبر، فالمؤمن يؤجر على كل حال، حتى اللقمة يرفعها إلى فيه».
وأخرج البيهقي في الشعب وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من نظر في الدين إلى من هو فوقه، وفي الدنيا إلى من هو تحته، كتبه الله صابرًا وشاكرًا، ومن نظر في الدين إلى من هو تحته، ونظر في الدنيا إلى من هو فوقه، لم يكتبه الله صابرًا ولا شاكرًا» والله سبحانه وتعالى أعلم.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)}.
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} قال إبليس: إن آدم خلق من تراب، ومن طين، ومن حمإ مسنون خلقًا ضعيفًا، وإني خلقت من نار، والنار تحرق كل شيء {لأحتنكن ذريته إلا قليلًا} [الإسراء: 62] قال: فصدق ظنه عليهم فاتبعوه إلا فريقًا من المؤمنين قال: هم المؤمنون كلهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأها {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} مشددة قال: ظن بهم ظنًا فصدقه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} قال: على الناس إلا من أطاع ربه.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} ظن بهم فوافق ظنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة ومعه حوّاء عليها السلام هبط إبليس فرحًا بما أصاب منهما، وقال: إذا أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف، وكان ذلك ظنًا من إبليس عند ذلك فقال: لا أفارق ابن آدم ما دام فيه الروح أغره، وأمنيه، وأخدعه، فقال الله تعالى: «وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما لم يغرغر بالموت، ولا يدعوني إلا أجبته، ولا يسألني إلا أعطيته، ولا يستغفرني إلا غفرت له».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {وما كان عليهم من سلطان} قال: والله ما ضربهم بعصا، ولا سيف، ولا سوط، وما أكرههم على شيء، وما كان إلا غرورًا وأماني، دعاهم إليها فاجابوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إلا لنعلم} قال: إنما كان بلاء ليعلم الله الكافر من المؤمن. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى} ما كان من شأنهم إلا التمادي في عصيانهم، والإصرار على غيهم وطغيانهم.
قوله جلّ ذكره: {أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ في ذَلِكَ لأَيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
فرَّقناهم تفريقًا حتى اتخذهم الناسُ مثلًا مضروبًا؛ يقولون: ذهبوا أيدي سبأٍ، وتفرَّقوا أيادي سبأ. وفي قصتهم آياتٌ لكل صبَّار على العاقبة، شكور على النعمة.
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)}.
صدَّق عليهم إبليس ظنّه- وإنْ كان لا يملك لنفسه أمرًا، فإبليس مُسَلِّطٌ على أتباعه من الجنِّ والإِنس، وليس به من الإضلال شيء، ولو أمكنه أَن يَضُرَّ غيرَه لأمكنه أن يمسك على الهداية نَفْسَه، قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإِسراء: 65].
{وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شيء حَفِيظٌ} يهدي من يشاء ويضل من يشاء. ثم أخبر- سبحانه وتعالى- أنه بمُلْكِه متفرِّدٌ، وفي الألوهية متوحِّدٌ، وعن الأضداد والأنداد متعزِّزٌ، وأَنهم لا يملكون مثقالَ ذَرَّةٍ، ولا مقياسَ حَبَّةٍ، وليس منهم نصير، ولا شريك ولا ظهير، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأن الملائكة في السماء بوصف الهيبة فَزِعُون، وفي الموقف الذي أثبتهم الحقُّ واقفون، لا يفترون عن عبادته ولا يعصون. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {يعلم ما يلج} في أرض البشرية بواسطة الحواس والأغذية الحلال والحرام {وما يخرج منها} من الصفات المتولدة منها.
{وما ينزل} من سماء القلب من الفيوض والإلهامات {وما يعرج فيها} من آثار الفجور والتقوى وظلمة الضلالة ونور الهدى إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من سماء القلب وارض النفس، نخسف بهم أرض البشرية بغلبات صفاتها أو يغلب عليهم صفة من صفات القلب بالميل إلى الإفراط فنهلكهم بها كالسخاوة فإنها صفة حميدة لكنها إذا جاوزت حدّ الاعتدال صارت ذميمة {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} [الإسراء: 27] {يا جبال أوبي} قد مر تأويله في سورة الأنبياء {وقدّر في السرد} وهو المتكلم بالحكمة على قدر عقول الناس {ولسليمن} القلب سخرت ريح العناية وذلك أن مركب القلوب في السير هو الجذبة الإِلهية كما أن مركب البدن في المسير البدن. يروى أن سليمان في سيره لاحظ ملكه يومًا فمال الريح ببساطه فقال سليمان للريح: استو قالت الريح: استو أنت فإني لا أكون مستوية حتى تستوي أنت. كذلك حال السر مع القلب وريح العناية إذا زاغ القلب أزاغ الله بريح الخذلان بساط السر {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11] {وأسلنا له عين القطر} الحقائق والمعاني وسخرنا له صفات الشيطنة لتعمل بين ديه على وفق أوامر الله ونواهيه كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم «شيطاني اسلم على يدي فلا يأمرني إلا بالخير» {من محاريب} وهو كل ما يتوج إلى الله به بخاصية الإباء والاستكبار وأنفة السجود لغير الله، ولو وكل القلب والروح إلى خاصية الروحانية التي جبل الروح عليها ما كان يرغب في العبور عن مقام الروحانية كالملائكة. قال جبرائيل عليه السلام: لو دنوت أنملة لاحترقت.
{وجفان كالجواب} فيه إشارة إلى مأدبة الله التي أكل منها الأنبياء والأولياء إذ يبيتون عنده {اعملوا آل داود} وهم متولدات الروح فشكر البدن استعمال الشريعة بجميع الأعضاء والحواس، وشكر النفس بإقامة شرائط التقوى والورع، وشكر القلب بمحبة الله وحده، وشكر السر المراقبة، وشكر الروح بذل الوجود على نار المحبة كالفراش على شعلة الشمعة، وشكر الخفي قبول الفيض بلا واسطة في مقام الوحدة مخفيًا بنور الوحدة عن نفسه. فالعوام شكرهم بالأقوال، والخواص شكرهم بالأعمال، وخواص الخواص شكرهم بالأحوال من الاتصاف بصفة الشكورية التي تعطي على عمل. فإن عشرة ثواب باقٍ ولذلك وصفهم بالقلة {تاكل منسأته} اتكأ سليمان على عصاه فبعث الله أخس دابة لإبطال متكئه وجعله سببًا لزوال ملكه وفوات روحه وكان قبل متكئًا على فضل الله فآتاه ما لم يؤت أحدًا من خلقه {لقد كان لسبأ} السر {جنتان} جنة الروح عن يمين السر وجنة القلب عن شمال السر {بلدة طيبة} هي بلدة الإنسانية القابلة لبذر التوحيد {ورب غفور} يستر العيوب {فأعرضوا} عن الوفاء وأقبلوا على الجفاء {فأرسلنا عليهم سيل} سطوات {العرم} قهرنا {وبدلناهم بجنتيهم} الشجرتين بأشجار الأخلاق الحميدة {جنيتن} من الأوصاف الذميمة {وهل نجازي} وهل يكون للأشجار الخبيثة إلا الأثمار الخبيثة.
{قرى ظاهرة} منازل السالكين ومقامات العارفين من التوبة والزهد والتوكل والتزكية والتحلية. وقلنا لهم سيورا في ليالي البشرية وايام الروحاينة {آمنين} في حيازة الشريعة فطلبوا البعد عن الله بالميل إلى ما سواه ففرقناهم في أودية الهلاك ودركات البعد.
{وما كان له عليهم من سلطان} فيه أن الشيطان إنما سلط على بني آدم لاستخراج جواهر النفوس من معادنها. اهـ.